فصل: تفسير الآيات (73- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (73- 77):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)}
قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} أي دلائل واضحات {قال الذين كفروا} يعني النضر بن الحارث ومن دونه من كفار قريش {للذين آمنوا} يعني فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة، وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون أفخر ثيابهم {أي الفريقين خير مقاماً} أي منزلاً ومسكناً وهو موضع الإقامة {وأحسن ندياً} أي مجلساً فأجابهم الله تعالى بقوله: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً} أي متاعاً وأموالاً وقيل أحسن ثياباً ولباساً {ورئياً} أي منظراً من الرؤية {قل من كان في ضلالة فليمدد له الرحمن مداً} هذا أمر بمعنى الخبر معناه يدعه في طغيانه ويمهله في كفره {حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب} أي الأسر والقتل في الدنيا {وإما الساعة} يعني القيامة فيدخلون النار {فسيعلمون} أي عند ذلك {من هو شر مكاناً} أي منزلاً {وأضعف جنداً} أي أقل ناصراً والمعنى فيسعلمون أهم خير وهم في النار أم المؤمنون وهم في الجنة وهذا رد عليهم في قولهم أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً، قوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} أي إيماناً وإيقاناً على يقينهم {والباقيات الصالحات} أي الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها {خير عند ربك ثواباً وخير مرداً} أي عاقبة ومرجعاً. قوله تعالى: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآية،.
(ق) عن خباب بن الأرت قال كنت رجلاً قيناً في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل السهمي دين فأتيته أتقاضاه، وفي رواية فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفاً فجئته أتقاضاه، فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث. قال وإني لميت ثم مبعوث. قلت بلى دعني حتى أموت وأبعث فسأوتي مالاً وولداً فأقضيك. فنزلت {أفرأيت الذي كفر بآياتنا}.

.تفسير الآيات (78- 91):

{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)}
{أم اتخذ عند الرحمن عهداً} يعني قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل يعني عمل عملاً صالحاً قدمه، وقيل عهد إليه أنه يدخله الجنة {كلا} رد عليه يعني لم يفعل ذلك {سنكتب} سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه به في الآخرة، وقيل يأمر الملائكة حتى يكتبوا {ما يقول ونمد له من العذاب مداً} أي نزيده عذاباً فوق العذاب، وقيل نطيل مدة عذابه {ونرثه ما يقول} معناه أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه، وقيل يزول عنه ما عنده من مال وولد فيعود الإرث إلى من خلفه وإذا سلب ذلك بقي فرداً فذلك قوله: {ويأتينا} يعني يوم القيامة {فرداً} بلا مال ولا ولد فلا يصح أن يبعث في الآخرة بمال وولد. قوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة} يعني مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبد ونها {ليكونوا لهم عزاً} أي منعة يعني يكونوا شفعاء يمنعوهم من العذاب {كلا} أي ليس الأمر كما زعموا {سيكفرون بعبادتهم} يعني تحجد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبد ونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم {ويكونون عليهم ضداً} أي أعواناً عليهم يكذبونهم ويلعنونهم وقيل أعداء لهم وكانوا أولياءهم في الدنيا. قوله عز وجل: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين} أي سلطانهم عليهم {تؤزهم أزاً} أي تزعجهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية والمعنى تحثهم وتحرضهم على المعاصي تحريضاً شديداً وفي الآية دليل على أن الله تعالى مدبر لجميع الكائنات {فلا يتعجل عليهم} أي لا تعجل بطلب عقوبتهم {إنا نعد لهم عداً} يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام، وقيل الأنفاس التي يتنفسونها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم. قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً} أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى جنته وفداً أي جماعات. قال ابن عباس: ركباناً قال أبو هريرة: على الإبل. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها من الذهب ونجائب سروجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت. {ونسوق المجرمين} أي الكافرين {إلى جهنم ورداً} أي مشاة عطاشاً قد تقطعت أعناقهم من العطش، والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد إلا بعد العطش وقيل يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر معهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمضي معهم حيث أمسوا» قول تقيل معهم حيث قالوا من القيلولة وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفاً مشاة وصنفاً ركباناً وصنفاً على وجوههم. قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدث وشوك» أخرجه الترميذي.
قوله عز وجل: {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً} يعني لا إله إلا الله وقيل لا يشفع الشافعون إلا للمؤمنين، وقيل لا يشفع إلا لمن قال لا إله إلا الله، أي لا يشفع إلا للمؤمنين {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً} يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله من العرب {لقد جئتم شيئاً إداً} قال ابن عباس منكراً، وقيل معناه لقد قلتم قولاً عظيماً {تكاد السموات يتفطرن منه} من الانفطار وهو الشق {وتنشق الأرض} أي تخسف بهم {وتخر الجبال هداً} أي تسقط وتنطبق عليهم {أن دعوا} أي من أجل أن جعلوا {للرحمن ولداً} فإن قلت ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال ومن أين تؤثر هذه الكلمة في هذه الجمادات. قلت فيه وجهان أحدهما: أن الله تعالى يقول كدت أن أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضباً مني على من تفوه بها لولا حلمي وإني لا أعجل بالعقوبة. الثاني: أن يكون استعظاماً للكلمة وتهويلاً من فظاعتها وتصويراً لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده. قال ابن عباس فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا اتخذ الله ولداً ثم نزه الله نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه.

.تفسير الآيات (92- 98):

{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
فقال تعالى: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً} أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به لأن الولد لابد أن يكون شبيهاً بالوالد، ولا شبيه لله تعالى ولأن اتخاذ الولد إنما يكون لأغراض لا تصح في الله تعالى من سرور به واستعانة وذكر جميل بعده وكل ذلك لا يليق بالله تعالى {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً} أي آتيه يوم القيامة عبد اً ذليلاً خاضعاً، والمعنى أن الخلائق كلهم عبيده {لقد أحصاهم وعدهم عداً} أي عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم فلا يخفى عليه شيء من أمورهم وكلهم تحت تدبيره وقهره وقدرته {وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً} أي وحيداً ليس معه من أحوال الدنيا شيء.
قول عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} أي محبة قيل يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى عباده المؤمنين.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أحب الله سبحانه وتعالى عبد اً دعا جبريل عليه السلام إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» وفي رواية لمسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبد اً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله عبد اً دعا جبريل عليه السلام فيقول إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض» قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم. وقال: كعب مكتوب في التوراة لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله عز وجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض وتصديق ذلك في القرآن {سيجعل لهم الرحمن وداً}.
قوله تعالى: {فإنما يسرناه} أي سهلنا القرآن {بلسانك} يا محمد {لتبشر به المتقين} يعني المؤمنين {وتنذر به} أي القرآن {قوماً لداً} أي شداداً في الخصومة. وقيل صماً عن الحق، وقيل الألد الظالم الذي لا يستقيم ولا يقبل الحق ويدعي الباطل {وكم أهلكنا قبلهم من قرن} ختم الله تعالى هذه السورة بموعظة بليغة لأنهم إذا علموا وأيقنوا أنه لابد من زوال الدنيا بالموت خافوا ذلك وخافوا سوء العاقبة في الآية فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب. ثم أكد ذلك فقال تعالى: {هل تحس منهم} أي هل ترى، تجد منهم أي من القرون {من أحد أو تسمع لهم ركزاً} أي صوتاً خفياً قال الحسن: بادوا جميعاً لم يبق منهم عين ولا أثر والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة طه:

.تفسير الآيات (1- 6):

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)}
قوله عز وجل: {طه} قيل هو قسم أقسم الله بطوله وهدايته، وقيل هو من أسماء الله فالطاء افتتاح اسمه طاهر والهاء افتتاح اسمه هاد. وقيل معناه يا رجل والمراد به النبيّ صلى الله عليه وسلم وكذلك يا إنسان، وقيل هو بالسريانية، وقيل بالقبطية، فعلى هذا يكون قد وافقت لغة العرب هذه اللغات في هذه الكلمة، وقيل هو يا إنسان بلغة عك وعك قبيله من قبائل العرب، وقيل معناه طا الأرض بقدميك يريد به في التهجد وذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة اجتهد في العبادة حتى يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه، وكان يصلي الليل كله فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وقيل لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك فنزلت {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} أي لتتعنى وتتعب {إلا تذكرة لمن يخشى} أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى وإنما خص من يخشى بالتذكرة لأنهم هم المنتفعون بها {تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى} أي من الله الذي خلق الأرض والسموات العلية الرفيعة التي لا يقدر على خلقها في عظمتها وعلوها إلا الله تعالى {الرحمن على العرش استوى} تقدم الكلام عليه في سورة الأعراف مستوفى {له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما} يعني الهواء {وما تحت الثرى} أي إنه مالك لجميع ما في الأربعة الأقسام، والثرى هو التراب الندي وقيل معناه ما وراء الثرى من شيء. وقال ابن عباس: إن الأرضين على ظهور النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكرها الله تعالى في قصة لقمان، والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى ولا يعلم ما تحت ذلك الثرى إلا الله تعالى، وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله البحار بحراً واحداً سالت في جوف ذلك الثور فإذا وقعت في جوفه يبست.

.تفسير الآيات (7- 14):

{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}
قوله تعالى: {وإن تجهر بالقول} أي تعلن به {فإنه يعلم السر وأخفى} قال ابن عباس: السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه الله في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك لا تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غداً والله يعلم ما أسررت به اليوم وما تسر به غداً، وعنه أن السر ما أسر به ابن آدم في نفسه وأخفى ما هو فاعله قبل أن يعلمه، وقيل السر ما أسره الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسره في نفسه، وقيل السر هو العمل الذي يسر من الناس وأخفى هو الوسوسة، وقيل السر أن يعلم الله تعالى أسرار العباد وأخفى هو سره من عباده فلا يعلم أحد سره، وقيل: مقصود الآية زجر المكلف عن القبائح ظاهرة كانت أو باطنة والترغيب في الطاعات ظاهرة كانت أو باطنة، فعلى هذا الوجه ينبغي أن يحمل السر والإخفاء على ما فيه ثواب أو عقاب، فالسر هو الذي يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها والإخفاء هو الذي يبلغ حد العزيمة ثم وحد نفسه فقال تعالى: {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} تأنيث الأحسن والذي فضلت به أسماؤه في الحسن دون سائر الأسماء، دلالتها على معنى التقديس والتحميد والتعظيم والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
قوله عز وجل: {وهل أتاك حديث موسى} أي وقد أتاك لما قدم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قفاه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود {إذ رأى ناراً} وذلك أن موسى استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر ليزور والدته وأخاه فأذن له، فخرج بأهله وماله وكانت أيام الشتاء فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل في شهرها لايدري أليلاً تضع أم نهاراً، فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن، وذلك في ليلة مظلمة مثلجة شاتية شديدة البرد لما أراد الله من كرامته فأخذ امرأته الطلق فأخذ زنده فجعل يقدح فلا يورى فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور {فقال لأهله امكثوا} أي أقيموا {إني أنست ناراً} أي أبصرت ناراً {لعلي أتيكم منها بقبس} أي شعلة من نار في طرف عود {أو أجد على النار هدى} أي أجد عند النار من يدلني على الطريق {فلما أتاها} أي أتى النار ورأى شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها أطافت بها ناراً بيضاء تتقد كأضوء ما يكون، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار، قيل كانت الشجرة ثمرة خضراء وقيل كانت من العوسج، وقيل كانت من العليق وقيل كانت شجرة من العناب، روي ذلك عن ابن عباس وقال أهل التفسير لم يكن الذي رآه موسى ناراً بل كان نوراً ذكر بلفظ النار لأن موسى عليه الصلاة والسلام حسبه ناراً.
قال ابن عباس: هو من نور الرب سبحانه وتعالى، وقيل هي النار بعينها وهي إحدى حجب الرب تبارك وتعالى، يدل عليه ما روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حجابه النار لو كشفها لأهلكت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» أخرجه مسلم قيل إن موسى أخذ شيئاً من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنا نأت عنه، وإذا نأى دنت منه، فوقف متحيراً وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة فعند ذلك {نودي يا موسى إني أنا ربك} قال وهب: نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعاً وما يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك منك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله تعالى فإيقن به، وقيل إنه سمعه بكل أجزائه حتى إن كل جارحة منه كانت أذناً وقوله: {فاخلع نعليك} كان السبب فيه ما روي عن ابن مسعود مرفوعاً في قوله فاخلع نعليك قال كانتا من جلد حمار ميت.
ويروى غير مدبوغ وإنما أمر بخلعها صيانة للوادي المقدس، وقيل أمر بخلعهما ليباشر بقدميه تراب الأرض المقدسة لتناله بركتها فإنها قدست مرتين فخلعها موسى فألقاهما من وراء الوادي {إنك بالواد المقدس} أي المطهر {طوى} اسم للوادي الذي حصل فيه وقيل طوى واد مستدير عميق مثل المطوي في استدارته {وأنا اخترتك} اصفيتك برسالاتي وبكلامي {فاستمع لما يوحى} فيه نهاية الهيبة والجلال له فكأنه قال له لقد جاءك أمر عظيم فتأهب له {إنني إنا الله لا إله إلا أنا فاعبد ني} ولا تعبد غيري {وأقم الصلاة لذكري} أي لتذكرني فيها وقيل لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، وقيل لإخلاص ذكري وطلب وجهي ولا ترائي فيها ولا تقصد بها غرضاً آخر، وقيل معناه إذا تركت صلاة ثم ذكرتها فأقمها،.
(ق) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» وتلا قتادة {وأقم الصلاة لذكري} وفي رواية: «إذا رقد أحدكم في الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول: {وأقم الصلاة لذكري}».